يحررها حمدي حمودي

يحررها حمدي حمودي

الاثنين، 10 ديسمبر 2018

الاحداث في باريس"صناعة الآخر"

العالم الرقمي أو المعلوماتية هي من يقود دفة سفينة صناعة الرأي اليوم
وليست المعرفة، فالمعرفة تتشكل من شقين هما المعلومات والخبرة، فغياب
الاهتمام بتراكم الخبرة والتجربة فتح المجال مصراعيه للمعلوماتية كي
تكتسح المشهد.
تطبيقات ذلك نجده لا الحصر في "حركة النجوم الخمس" التي تحكم ايطاليا وفازت
في الانتخابات التشريعية في فبراير 2013، حيث حصدت الحركة 109 مقعدًا في
مجلس النواب و54 في مجلس الشيوخ.
أنه ليس حزبًا بل "حركة"، ولا يمكن تصنيفه في تصنيفات الاتجاه السياسي
اليمينية أو اليسارية،فالتنظيم ظاهرة سياسية كانت لا تملك مقرا ولا مكاتب
بل على جهاز الكومبيوتر والهاتف.
ونفس السلاح الذي يذبح الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم، هو الذي فاز به امس
دون ان يكون له جزبا سياسيا وانما عمل على تحريك الراي من خلال الصورة
والصوت والكتابة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي, فالاديولوجيات
والاحزاب التقليدية والقنوات الحكومية والقنوات الخاصة الغير موثوقة لم
يعد لها مكانا كما كان.
العالم يتخلى تدريجيا عن العمق لم يعد هناك وقت للغطس، لذلك نجد في كثير
من الاحيان من يتصدرون المشهد هم السطحيون من امثال ترامب.
ودون أن أطيل ففي ظرف أيام لولا القوة لاحرق الايليزي.
أن السياسيين الفرنسيين إستطاعوا ان يحصلوا على نصر مؤقت، ولكنه وهميا،
حيث حولوا المشكل الى صراع من أجل الامن ضد المخربين، ونجحوا في تكوين
وصناعة "الآخر" الذي هو "المخرب المندس"، الذي جيشوا له "89000" عسكري.
لقد أكدوا انهم خسروا كسياسيين المعركة تماما حين ما عمدوا الى حمل العصا
على رأس الشعب ووضعوا أيدي الاطفال على رؤوسهم واجلسوهم على الركب في
وضعيات تستخدم قبل قطع الرؤوس.
دون روح الاقناع والحجة والعلاج بالفكرة، قد فشل ماكرون وحكومته فشلا
ذريعا، وهو يتراشق مع هولاند الاتهامات في من اوصل البلاد الى النفق
المظلم، الذي حول باريس الى مدينة خراب.
ان صناعة "الآخر" "الارهابي" أو "المهاجر" ليست الحل وكانت تغريدة
اوردوكان تكشف الحقيقة حين قال "ان جدران الامن والرفاهية التي تغنوا بها
بدات تتزعزع على يد مواطنيهم بالذات وليس من قبل اللاجئين المسلمين".
وكان رد المانيا على فرنسا حين احتجت على المهاجرين، ان المانيا استقبلت
اكبر عدد من المهاجرين حتى أن أنغيلا دوروتيا ميركل لقبت بأم المهاجرين
وازداد الاقتصاد الالماني في الصعود، ان المشكل يكمن في السياسات.
ان الطبقات الثرية في فرنسا تتحمل كل المسؤولية في خلفية الاحداث حيث
انها هي من تقوم بوضع تلك الضرائب المجحفة لصالح شركاتهم واملاكهم التي
اعمتهم ففي الابراج العالية لا يمكن رؤية ما يدور في الشارع ولا سماعه.
تلك الطبقات السياسية الفرنسية التي لا تزال تعشش في رأسها السياسات
الاستعمارية تطبيقاتها في دول افريقيا تتصدر المشهد ولكن بهذه الحركات
الاجتماعية قد يكون ذلك بداية فقدانها تلك القوة، تلك الطبقات التي لا
تؤمن بالمبادئ ولا الأيديولوجيات نراها في شخصيات اسبانية فقد يتحول
"كونزالس" من اشتراكي يساري الى يميني وارستقراطي ثري دون مشكل، ان هذه
الحركة في باريس قد تكون بداية اكتشاف لسبل جديدة للحد من غطرسة الطبقة،
والتوقف عن ضخ المال الى جيوبها بل طريقة لحلبها في مصلحة الدولة والشعب
الذي تتغذى عليه.
العلاقة بين السياسيين واصحاب الشركات الكبرى الذين هم جزء منها او
يعملون لصالحها، كشفت جزء منها الضرائب تلك العلاقة التي يحيطها الكثير
من الحيطة دون اظهارها شفافة للشعب, فذلك المجهول يولد الريب والشك
والانسان عدو ما يجهل وهو ما يقود الى الكراهية.وهو ما عبر عنه المحتجون
كره الرئيس كرمز بل كل الرموز المنتخبون فطالبوا باستقالته وحل الجمعية
الوطنية ، انه البناء بكامله الذي يريد سرقة المكاسب الاجتماعية
للجمهورية الفرنسية التي كسبته عبر عقود من النضال والشقاء والتضحيات.
.......................................................................
النجوم الخمس: إشارة إلى خمس قضايا رئيسية هي: المياه العامة والنقل
المستدام والتطوير والاتصالية وحماية البيئة

الخميس، 6 ديسمبر 2018

المغرب عناد في جنيف وتودد في نواكشوط…‎

في خبرية مقتضبة قرأنا أمس في الوكالة الموريتانية للأنباء ” حرص مساعد وزير الخارجية الأمريكي، بخصوص الطاولة المستديرة بجنيف، على التذكير بدعم الولايات المتحدة الأمريكية لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ولكل مبادرة تستهدف حل قضية الصحراء الغربية متمنيا أن يتم عاجلا التوصل إلى نهاية سعيدة لهذه القضية”، تباعا وصل وزير الخارجية الفرنسي وقبله رئيس الحكومة المغربية الى نواكشوط في اطار تجمع الساحل التي ستجتمع في نواكشوط وهي المكونة من كل من “موريتانيا، ومالي، وتشاد وبوكينا فاسو، والنيجر” وان كان الحضور الفرنسي والمملكة السعودية كمانحين في تمويل جيوش دول الساحل والصحراء له ما يبرره فإن رئيس الحكومة المغربي ربما جاء على هامش الضغط على الراي الموريتاني تزامنا مع محادثات جنيف، حيث أنه ” يشكل تهريب المخدرات والتجارة بالبشر واحدا من التحديات الأمنية المطروحة وان ظلت أنشطة التنظيمات المسلحة والجريمة المنظمة العابرة للحدود تشكل مجتمعة أكبر التحديات التي تواجهها منطقة الساحل” ونحن نعرف أن المملكة المغربية هي أكبر منتج للمخدرات والكل يعرف أن هناك الكثير من العمليات التي تم توقيفها من الجمرك الموريتاني قادمة من نقطة المرور من الجزء المحتل من الصحراء الغربية بعد مروره على “الجمارك المغربية”؟ إضافة الى ما تقوم به قوات الجيش الصحراوي في مطاردات مستمرة لسيارات معبأة من المخدرات تمر من جدار العار المغربي الذي به الجيش المغربي وحتى انه تم القبض على المهربين من الثغرات التي تمر من الجدار المغربي، أما تهريبها نحو الجزائرفحدث ولا حرج فرغم كل المجهودات لا يخلو يوم دون ان يتم القبض على كميات مهربة من الحدود المغربية الجزائرية بعضها بالأطنان.
كما ان صحف فرنسية بدأت تتحدث عن العلاقات بين السنغال وموريتانيا وقدوم الرئيس السنغالي لدشين الحجر الأساس لمشروع تمرير الغاز المتوقف بسبب سوء العلاقات، وتحاول فرنسا تحريك محورها باريس-الرباط-السنغال، الذي خرجت موريتانيا بحكمة من كماشة ضغوطه، بتلك الاتفاقيات والتكتلات مع دول الساحل ومع الاتحاد الافريقي والعالم العربي وحتى بفتح طريق بري كبدائل وممر أمان مع الجزائر بطريق تيندوف-ازويرات في محاولات حثيثة لفك الضغوط على القرار السيادي الموريتاني والتمهيد الفعلي للمغرب العربي الذي عارضته فرنسا وهددت الرباط مرارا الجارتين من عواقب فتحه حتى ان فرنسا حذرت رعاياها من المرور عبره.
في نفس الوقت طورت موريتانيا اساليبها في احتضان القمة العربية التي اعتذر عنها المغرب والقمة الافريقية وغيرها، لتتمكن موريتانيا من أن تكون اللبان الذي يعطر الأجواء والملاط الذي يرص البناء وظل الرأي الموريتاني متمسكا بحل القضايا بالطرق السلمية، وفي إطار القرارات الأممية والمبادئ الدولية التي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام الحدود الموروثة عن الاستعمار الذي لا زالت ترفضه الرباط ويعتبر الى اليوم ان موريتانيا ليست الا قطعة من “المغرب الكبير” ونحن لا نعرف من كان جزء مِن مَن.
ولم تتنازل موريتانيا ابدا عن التأكيد على الروابط القوية مع كل الجيران وخاصة مع الشعب الصحراوي، وكانت الزيارة التي قام بها الرئيس الصحراوي لموريتانيا على هامش القمة الأفريقية تبين بوضوح عمق تلك الوشائج.
كما ان الحراك المصاحب للمفاوضات القادمة بدأت عدواه تنتشر الى جس النبض من الالمان أنفسهم حيث “أجرت وزيرة التجارة والصناعة والسياحة السيدة خديجة أمبارك فال زوال يوم الاربعاء بمكتبها في نواكشوط مباحثات مع سعادة السيدة غابرييلا ليندا غيليل سفيرة جمهورية المانيا الاتحادية المعتمدة لدى موريتانيا”و هو له علاقة بالمفاوضات التي يقودها الممثل الخاص الاممي الالماني كولر.
وتناول اللقاء علاقات التعاون القائم بين البلدين وسبل تعزيزه وتطويره.
وتعيش القضية الصحراوية حراكا كبيرا في الاعلام عبر العالم وفي جنيف بالذات توافدت القنوات والصحف العالمية لتغطية الحدث التاريخي، غير أن رحى المستعمرين تدور في نواكشوط اليوم، وتحاول تلك القوى فك الحصار عن المفاوض المغربي، من خلال فرض اجندة ما على المراقب الموريتاني، غير أن التصريحات المتتالية من السياسيين الكبار الموريتانيين لم تتزحزح قيد أنملة وتدري جيدا ما ذا تقول وما هي تكتيكات المحاور المختلفة.
قيام دولة صحراوية مستقلة في الصحراء الغربية لم ولن تكون الا خيرا على المنطقة المغاربية كما هي لمدة اكثر من 30 سنة في افريقيا ولديها علاقات طيبة مع كل الدول التي تعترف بها وقد اعلن الشعب الصحراوي عنها 1976 ولم يجد العالم من العنصر الصحراوي الا الوفاء والخير والبركة والتوجه الصحيح نحو العالم بعقل منفتح على المستقبل دولة تحترم حدودها وتعهداتها وظلت العلاقات التاريخية مع الجارة الموريتانية سمن على عسل وصمام أمان ضد عقلية التوسع والاستعمار في القارة السمراء وشعوبها التواقة الى الحرية والاستقلال والعيش بسلام وأمان.
الحراك التمهيدي لحل القضية الصحراوية أمل كل شعوب المنطقة، غير أنه ضد من يريد أن تبقى افريقيا عاجزة وضعيفة والمغرب العربي والعالم العربي حتى يتمكن من السيطرة عليها وبالتالي نهب خيراتها واستغلالها واستعمارها، وهو ديدن محور الشر الذي لا تزال فرنسا او قل الطبقة السياسية في فرنسا تحاول فرضه بالمناورات والخداع، تلك الطبقة المتكبرة التي حتى ممارساتها مستمرة حتى على الشعوب الفرنسية نفسها بفرض الضرائب لصالح الشركات الكبرى، لكنها شعوب واعية رفضت الضغوط ورفضت الاملاءات وفرضت إرادتها، فإرادة الشعوب لا تقهر.
ستظل موريتانيا مهمة ما دامت متمسكة بنهج تقوية ذاتها وقدرتها على الإمساك بقرارها السياسي وسيادتها عليه دون الرضوخ للإملاءات والضغوط ولن يكون ذلك إلا باستنادها الى مرجعيتها القارية ومحيطها الإقليمي وستبقى لها الكلمة المسموعة، وتؤمن موريتانيا بأن قرارات الأمم المتحدة التي تصب في تقرير مصير الشعب الصحراوي وحده من سيؤمن الحل العادل والنهائي للقضية الصحراوية وهو المدخل الصحيح للمغرب العربي الكبير مغرب الشعوب وليس الأنظمة والمماليك.
ثبات موريتانيا ورؤيتها الواضحة هي التي جعلت سعد الدين العثماني يصرح اليوم من نواكشوط قائلا “إن بلاده حريصة على تطوير العلاقة مع موريتانيا إلى أقصى حد ممكن” كالحمل الوديع لينتهي مؤقتا التهديد باجتياح لكويرة فسبحان مغير الأحوال بين غمضة عين وانتباهتها.

الأحد، 2 ديسمبر 2018

وجهة نظر. " تسريع حل القضية الصحراوية ربما لم يعد خيارا بل ستفرض تسريعه تغيرات موازين القوى الجارية ..."



بخروج بريطانيا النهائي من الاتحاد الأوروبي واصرار الاتحاد على تعسير الخروج يبين بجلاء حكم الاتحاد الاوروبي على ان المملكة البريطانية ستكون غريما جافيا لا صديقا متعاونا.
وستعمل المملكة مستقبلا على أن يدفع الاتحاد ثمن ذلك الخروج المهين الذي بدأ بتغريم بريطانيا ضريبة الخروج الكبيرة أكثر من 55 مليار أورو على دفعات وسد الابواب بمسودة سوداء من الشروط المجحفة المعجٍّزة والتي أدت الى استقالة 4 وزراء بريطانيين حتى الآن..
قوانين الطبيعة تقول لا بد لكل فعل من ردة فعل تعاكسه في الشدة والاتجاه كي تستقر الامور.
وردة الفعل البريطانية ستتجسد على ارض الواقع حسب ما نعتقد في الصراع على مناطق النفوذ والثروات والتي ستكون ملعبا لنزاعات جديدة وصراعات بين بريطانيا واكبر دولة تستحوذ على المستعمرات فرنسا "الغريم التقليدي" التي فقدت جزءا من قوتها التي تستند أساسا على قوة الاتحاد الاوروبي أمام ديناصورات أخرى كالصين والولايات المتحدة اللتين ستقترب منهما بريطانيا كما كانت سابقا إضافة الى السوق الهندي الضخم وجيرانه اين زرعت بريطانيا لغتها وثقافتها والذي يعج بالعدد الأكبر من البشر على الكرة الأرضية خاصة بعد تحررها من قوانين الاتحاد الأوروبي وأغلاله حيث يتوقع الساسة البريطانيين على انطلاقة سريعة في التنمية والتطور.
ونتوقع أن تكون مناطق النزاع الافريقية التي لم تحسم احدها، وأعني الصحراء الغربية، خاصة اذا عرفنا ان اغلب الداعمين للدولة الصحراوية في افريقيا هي الدول التي لها علاقات خاصة مع بريطانيا التي تؤمن بقرارات حق تقرير المصير والاستفتاءات وغيرها وعلى رأسها جنوب إفريقيا وهي تنتمي الى مجموعة الكومنويلث التي من اهم مبادئها "الترويج للديموقراطية والحكم الصالح، واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون، وتنمية اقتصادية واجتماعية المستمرة".
إن القلاقل التي تجتاح فرنسا باستمرار وتماسها المباشر مع الهجرة سيكون له تأثير كبير في تغيير المعادلة التي كان يوازنها المثقال البريطاني الذي سيوضع في الاتجاه المضاد أي في الكفة الأخرى للميزان.
ولا يخفى أن زيارة ماكرون الاولى لألمانيا حين تم تعيينه تبين مدى الخوف الذي يعتري الطبقة الحاكمة في فرنسا من فقدان قوتها التي تعتمد الآن على حماية ألمانيا كأكبر قوة اقتصادية تلك الحماية التي لا شك أنها لن تبقى بلا ثمن، خاصة ان فرنسا تملك الثمن وهو المستعمرات الأفريقية التي لن تستميت المانيا معها مدافعة ان لم تجد نصيبا.
وعبر التاريخ ظل امتلاك القوة واختلال الموازين فيها يعتبر أهم الأسباب التي أدت الى الحروب العالمية السابقة والتي نجدها مستمرة الآن في المشرق العربي.
إن القضية الصحراوية والارض الصحراوية لأول مرة تدخل الى عمق البيت الاوروبي وتدار المفاوضات في عقر داره الكبيرة وبإشراف من المبعوث الاوروبي الالماني والامين العام الأوروبي البرتغالي.
نتوقع تسريع الحل لكن على حساب من يسمع لفرنسا والاتحاد الاوروبي ومن يجلس في ظل شجرتهما وهو النظام المخزني (المحمية الفرنسية التي لا تبخلها الطبقة السياسية الفرنسية من الاشهار في الصفوف الاولى كما حصل أخيرا في الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى التي اقيمت في باريس ولو أن السحر انقلب على الساحر حيث نام الملك في وقت خطاب الرئيس الفرنسي بالذات وصار محل سخرية وسائل الاعلام وساسة العالم) ...!!!
نتوقع حلا قبل ان يحلق وينشب الصقر البريطاني مخالبة في جثة الديك الفرنسي ينازعه الطرائد...
ويبقى هذا جزء من الكثير من المتغيرات التي تساعد في تسريع حسم الصراع واحد مستوياته...
وليست عدالة وحق الشعب الصحراوي في حريته واعتراف العالم به بما فيه الاتحاد الأوروبي، وحده الحاسم، ولا حق القوة الذي بدأه الغزو المغربي بلغة النار والحديد، بل الكثير من المتغيرات التي منها التبدلات في الخريطة العالمية التي ستبدأ بتكتلات جديدة سيكون لها الاثر الكبير على خريطة العالم الجديدة والتي يصعب التنبؤ بها وان كانت تلوح بعض مقدماتها ومعالمها.

الأحد، 4 نوفمبر 2018

الاتجاه نحو العلم هو المسار الآمن.

يبدو اننا الوحيدون الذين لم نتوقف عن الكتابة عن الاستعمار والحرية عن حرقة الاحتلال وعن حلم الاستقلال لاننا ببساطة لم نستقل ولم نتحرر.
ويبدو كلامنا بالنسبة للعالم متجاوزا وغير منطقي، ولهم كل الحق فلا تزال قضيتنا مغيبة مغيمة مغشاة بالغبار،ولم تعد اساليب طرح القضية تتماشى مع روح العصر الجديد، وهنا نتحدث عن القنوات والاساليب وليس عن الحق.
شبكة المياه تتبدل عندما تصدأ كي يظل الماء يجري بسلاسة، لم تعد تلك المواد المصنوعة منها القنوات تصلح لتمرير المياه، لقد ثبت ان القصدير والرصاص والنحاس مواد سامة وقاتلة وتؤدي الى ان يصبح خطابنا مخيفا وساما وماؤنا الزلال عند تمريره بها يتحول الى سم قاتل لا يرغب به العالم ولا يستسيغه.
وتريد الكثير من الاجيال الجديدة تغيير اساليب العمل من خلال تجديد ديناميكية الخطاب من ناحية التشبيب في العمق واستغلال ادوات العصر التي تعمل على البرمجة العلمية والتخطيط والتنظيم والابداع  ويتقاتل العالم على الافكار الجديدة التي تلون المشهد دون ان تغير عمق الطرح بل تهيئ للمدخلات المخرجات الفعالة.
معركتنا مع العدو مستمرة غير اننا نعلم علم اليقين اننا عندما كنا منظمين جدا كانت الامور لصلحنا دائما ولكن شعار الفوضى الخلاقة التي ينتهجها البعض للاسف ولا نقول الكل بعيدة كل البعد عن ما كنا نسير عليه دولة العلم والتخطيط.
لا شك ان المعركة الاعلامية والدبلوماسية والتحدي في تحسين التعليم والانكباب على التكوين واعادة التكوين في ادوات التكنولوجيا وتكوين معاهد كما تتكون الآن مقاتلات في المدارس العسكرية ان تتوجه تلك البنادق الى اجهزة كومبيوتر واسلحة علمية توجه المعركة الاعلامية وهو استغلال في محله للطاقة البشرية في حرب التحرير فالحرب الاعلامية كما رأينا ونرى العالم معركة تستحق كل ذلك التوجه والانكباب.
ان جمع جدي للطاقات الصحراوية في كل مجال واستغلالها كل في تخصصه في الداخل والخارج واستغلالها سيكون له الاثر الكبير في تغيير واقعنا وتغيير اسلوب تفكيرنا ومعالجة الحاضر بطرق علمية درست وعاشت وتفاعلت مع العالم.
وهناك من يشكك في قدرة العلم على التغيير هذا ان كان في اختيار شخص بعينه، لكن تجميع المجموعات الفكرية ستكون فرصة في ان يكون الفيصل هو المحتوى الفكري وليس الشكلي.
اننا يجب ان نبقى طبعا في اطار الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وتحت راية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ولكن بعقلية هذا العصر وروحه واسلوبه وان نتجه الى تكوين بل فقط جمع ما لدينا من مؤهلات في مجموعات تخصصية فكرية قادرة على التغلب على العدو الذي يحاول زرع اساليب قديمة كالقبلية والفرقة والتي لا تقاوم بالشعارات ولا بالاساليب القديمة التي كانت القوة احدى طرقها، بل بالتطوير الفكري لدولتنا ولانساننا الصحراوي المرن الذكي.
ان الاتجاه في هذا المنحى سيقاومه لا محالة من يستغل طاقات شعبنا امواله من يتهرب من الشفافية من المحاسبة من الوضوح من يعيش بشعار وعار وعقلية الفوضى الخلاقة.
يجب ان نثبت للعالم ونحن نفاوض اننا شعب يستحق ان يعيش العصر واننا قادرون على المضي نحو الحاضر بل نعيشه وان قلة عددنا لا تعني ابدا ضعف قدراتنا ولا هيكلنا الفكري المبني على العلم والفهم ومن جهة اخرى لا نهدر كل هذه الطاقة العلمية التي سقط الشهداء من اجل تكوينها وتعليمها.
ان العدو يسير نحو الهاوية في تجهيل شعبه وتفقيره وفي عجز كبير عن توقيف عجلة الثورات الداخلية مع غول الديون والامراض الداخلية، فهلا نجهز عليه بثورة عارمة بتغيير الاتجاه الى العلم والتخصص والمواجهة الحضارية وليس ذلك على شعبنا البطل بعزيز.





الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

المدارس العسكرية النسوية 2018 الأهداف والمبررات...

الشعب الصحراوي، كغيره من الشعوب العربية الإسلامية، كان وسيظل مصدر الخلق لديه، منبع العادات، بئر الماء التي تعبأ منه دلاء الماء الزلال النقي، هو روح كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه الكريم صلّى الله عليه وسلّم.

فلا يختلف اثنان على أن أي عادة صغيرة كقص الاظافر وعظيمة كبّر الوالدين، جذر ها من وحي الدين الحنيف.

غير انه لا يمكن الحكم بتاتا أن الشعوب العربية، كقرني كبش أو كأسنان مشط في تطبيقاتها واسقاطاتها لذلك المنهج المستقيم على مجتمعها، فنحن نختلف كثيرا عن المجتمع الجزائري، رغم اننا مجتمعين مسلمين وعربيين ومتجاورين، بل ودرس ابناؤنا لسنوات في المدارس الجزائرية. كما أننا وبنفس الدرجة أو أكثر نختلف عن المجتمع الموريتاني رغم أواصر الدّم واللهجة والزّي وغيره.

حقيقة ربما يقرّون بها هم قبلنا، ويميزوننا قبل ان نميزهم.

 ويعرفون اننا صحراويين ونعرف انهم جزائريون او موريتانيون حتى قبل الكلام من خلال الحركة واللفتة وأسلوب السير ومظهر الملبس، أما اذا تكلم احدنا انحل رباط القربة وانكسر العظم وعرف ما في الجراب.

أشياء قد قسمها الله في عباده وقد جاء في الآية 13 من سورة الحجرات قوله تعالى:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" صدق الله العظيم

أشياء لا خيار فيها ان يكون الشعب الصحراوي يتميز في أشياء عن اخوته الجيران وعن العالم ككل نتيجة لمشيئة الله أولا وأخيرا، فالغراب اسود في الصحراء الغربية بينما هو اعصم في الحجاز، والجمل ذي سنام واحد عندنا وذي سنامين في فيافي وصحاري آسيا.

الاختلاف سنة الحياة غير ان التجارب أيضا تعمق الاختلاف، فشعبنا عصفت به ريح الغدر وهبت عليه نار كماشة الاستعمار ولا تزال وكان لزاما عليه ان يتكيف ويتحول الى شجر لا تقتلعه الريح ومعدن لا تصهره النيران، فكان التحدي الصعب الموت او الحياة.

وكان لزاما ان يكون صلبا صعب اللي ولكن أيضا مرنا صعب الكسر، صفتان كان الشعب الصحراوي معدنا صلبا سهل التشكل في قوالب شتى مطواعا ويتغير حسب مراحل التحرير المريرة وقد كانت تلك الصعوبات حقنا كونت عنده مناعة ضد التحولات العالمية التي عصفت بعتاة الدول.

ووقتها كان الشعب قد انقسم عموما الى نساء ورجال، رجال حملوا البندقية وأخذوا على عاتقهم تحرير الوطن بالسلاح وبالدّم، ونساء كن القاعدة التي تؤمن الانطلاق وتربي الجيل وتبني المؤسسات المدنية.

وهكذا بدأت فكرة انشاء المدارس التي تؤمن رجل الحرب القوي والمتعلم الذي يستعيد الأرض والمرأة المثقفة الصلبة التي تؤمن بناء الدولة.

وكانت مدرسة 12 أكتوبر و9 يونيو ثم لا حقا المدارس الولائية او الجهوية التي تحمل اغلبها أسماء الشهداء هي بداية التجربة، كانت خلايا النحل الذي طار الى كل بقاع العالم ليجلب العسل المغذي المتنوع ويلسع كل من يهدد العرين أو يفسد الخلايا...

اليوم نقف على إعادة بعث لتلك التجربة في الاشبال ومدارس عسكرية للنساء 2018 بعد تولي الرئيس الجديد ما هي الأهداف والمبررات والتوقيت ؟يتبع...

الأربعاء، 30 مايو 2018

غروبٌ أم شروقٌ...



شئتَ أم ابيتَ هناك أمورٌ لا تمرّ بسهولة، مهما حاولتَ، تبقى تجترّ داخلك بقاياها، تلك الأشياءُ او المواقفُ قد تذهبُ ولكن تجرّ ذيولاً طويلةً لفساتينها التي احتفلت وأعْرستْ في نفسك، غير ان الصّعب قد يمرّ ويتاح له أن يذوبَ أو يتسربَ ولكن الأصعب قد لا يجد نفس الفرصة الا بالقصِّ او البتر مثل جرح الصُّرة تماماً، أثرٌ يندملُ ولكن لا يزول.
يشقُّ عليّ نسيان تلك الأيام الصّعبة على رأس الثمانينات ونحن أطفال قلة، مع معلمينا الشبان الذين يعدون على رؤوس الأصابع، نتقاسم شَغَفَ العيش في تلك المباني الطّينية التي شرعنا في تلقى اولى دروسنا الابتدائية فيها ولبنات بعض جدرانها لم تجف بعد خضراء لينة مثلنا، في سباق محموم بين بناء الجدران وتأسيس انسان الغد، في تلك الأرض الجرداء "الحمادة"، بمدرستنا "تسعة يونيو" التي سميت على تاريخ فقدان قائد ثورتنا الشاب المثالي الذي رحل شهيدا مضرجا بدمائه وهو لا يزال في عشرينات العمر.
ذاكرتي ما تزال مبللة بتلك الصور لملابسنا الموحدة الضارب لونها الى السواد، في حين لا تختلف زميلاتنا عنّا فيها سوى بنقط بيضاء صغيرة كنجوم على الفستان، ولا يزال طعم الماء المالح المرّ في فمي الى اليوم، الذي يفقد الصابون رغوته ربما من فرط تركيز الاملاح فيه.
صارت الدروس الاولى مثل رؤيا السراب مشوشة في ذهني قليلا غير ان ملكة اللغة والكتابة الصحيحة والقراءة المتأنية قد شهد بها أغلب زملائي انهم لم يزدادوا في القراءة والكتابة والصرف الا النزر القليل حتى الدخول الى الجامعات.
التحدي فرض على شعبنا ككل، فكان مثل طير بط يفقس لاول مرة، مع فراخ دجاج، يتجه فراخ الدجاج الى النبش في الارض للبحث عن خشاشها، بينما تتجه الفطرة التي فطر عليها فرخ البط الى النهر كي يسبح في الماء.
كل لما قدر له نحن قسم لنا ان نعيش التحدي من أجل البقاء، وكان لزاما ان نتعلم كيف نسبح وكيف نغطس وأخيرا كيف نطير.
كانت اللعبة حقيقية كحلبات المصارعة بالسيوف حتى الموت، لقد اعطي المتآمرون أدوات القتل واسلحته الفتاكة
وأحاطوا بشعبنا وكان هو الوحيد الاعزل في تلك المجزرة.
كان الناجون من القتل هم الذين وصلوا الى ارض اللجوء بل الى جزيرة النجاة بتعبير أدق.
اليوم يبدو أن مشروع الغروب الذي اريد لطمس شمس الشعب الصحراوي تحول بالارادة والتخطيط لدولة العلم بغرسها بأيد مخلصة واعية في ثلة الاطفال الى شروق لصبح جديد، فؤلئك أطفال الامس هم آباء وأمهات لمئات الخرجين من الجامعات اليوم من كل بقاع العالم
ولم تعد مدرسة تسعة يونيو الا ذكرى في ذهن الآباء ورمز للتحدي، أما جزيرة النجاة فتحولت الى معقل المقاومة وقلعة النصر والدولة الصحراوية تنبت الآن في الارض المحررة لتثبت السيادة على الجزء المحرر بدماء الشهداء.
أما المتآمرون فكسرت ادواتهم الحادة ولم يعد الشعب الصحراوي بلا سلاح بل صار يعض وعضته تسيل الدم ويهابها الجميع غير ان المعركة لا تزال متواصلة رغم انسحاب البعض وتغير بعض اساليب وتكتيكات النزال

ذكرى 20 ماي طلقة الحرية...

من المنتظر أن تحتضن نواكشوط قمة إفريقية، هي الثانية للاتحاد الأفريقي خلال عام 2018، وذلك في الفترة ما بين 25 يونيو و02 يوليو 2018، تلك القمة التي سيكون رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من الحضور البارزين فيها وكذا أول رئيس للشعب الصحراوي يصل الى نواكشوط حسب علمي ويستقبل بشكل رسمي رغم اعتراف الجمهورية الإسلامية الموريتانية بالجمهورية الصحراوية في ثمانينات القرن الماضي.
لا شك ان الحدث بالنسبة لنا كصحراويين رغم ان الدولة الصحراوية من مؤسسي الاتحاد الافريقي
سيكون له طعم ولون خاصين، خصوصا بعد فشل محاولات المملكة المغربية وحاميتها فرنسا والدويلات التي تعتبر حاملات ذيل الفستان الفرنسي في إفريقيا في عدة معارك ديبلوماسية متتالية، من بينها جلوس ملك الرباط نفسه متقاسما نفس الطاولة مع رئيسنا، وبحضور حكام الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي مجتمعين.
ان الحدث يعني لنا الكثير ونحن نعانق الشعب الموريتاني الشقيق، الذي كان يراد به ما أريد بشعبنا بحكم ان الشعب شعب واحد، وان كان في دولتين وسياسات التوسع التي ما فتئ النظام المخزني يلوح بها بين الفينة والأخرى في مغالطة للتاريخ والحاضر والمستقبل.
لقد تفاعلنا إيجابا دوما مع ما يتحقق لشعبنا في موريتاني في ان يكون كما كان شعبا عربيا اصيلا وافريقيا
اصيلا ومسلما اصيلا وان يلعب دوره كاملا ولا ينوب عنه غيره، كقطب للاسلام الوسط وحلقة وصل للثقافة العربية والافريقية لما له من عوامل تؤهله في الجغرافيا كأرض وكشعب متعدد العروق وغيره، وهو ما قام ويقوم به الشعب الموريتاني في احتضان القمة العربية السابقة التي كانت نصرا مؤزرا له وكنا نراه لأنفسنا كذلك، ورغم الاستهزاء والتنقيص الذي مارسه البعض فان القمة نجحت بها “موريتانيا اليوم”.
اننا نتحدث عن القمة الافريقية ونحن نحتفل في 20 ماي بالعيد الخامس والاربعون لانطلاق الكفاح المسلح
لهو أكبر برهان في ان الشعب الصحراوي نجح في أن يقف فوق ارضه المحررة اليوم بمؤسساتها وجيشها ويمد ذراعيه يمينا نحو الجزائر ويسارا نحو موريتانيا، ليعانقهما ويحتضنهما كشعبين شقيقين.
وهم يتمنوا جميعا ان ينضم الشعب المغربي، وان يتوب المخزن المغربي من ضلالاته وان لا يظل مخدرا الشعب المغربي الشقيق بالأكاذيب والألاعيب وان لا يبق مسلطا سوط العذاب والعزلة عليه، وان يسعى الى “مغرب الشعوب” لا الى المغرب التوسعي “المغرب الكبير” الذي يعشش في ذهن حزب الاستقلال المقال.
واليوم في ذكرى انطلاقة الكفاح المسلح 20 ماي 1973، يقف الشعب الصحراوي شامخا معززا في قارته الافريقية التي صارت الدولة الصحراوية بها، صمام الأمان الذي تتوحد عليه القارة ضد الابتزاز والتفرقة والتفكيك ومحاولة التقسيم التي يحاولها الغرب، وتتمسك القارة بالدولة الصحراوية كالإسمنت المسلح الذي يحفظها من امراض الفرقة ويجعلها قارة مؤسسات ومبادئ لا تشترى ولا تباع.
ان 20ماي تذكرنا أيضا بأول طلقة رصاص من بندقية شجاعة لشعبنا في العصر الحديث، اول زغردة للحرية، جادةً غير آبهة بما ينتظرها من مؤامرات وما أمامها من حواجز ومتاريس ومعوقات.
ان تلك الرصاصة وأولئك الثوار القلائل بالأمس، هم الآن جيش التحرير الشعبي الصحراوي وما إدراك ما ذلك الجيش الذي اثبت ان لا ملجأ للأعداء من الموت الا الاختباء وراء الاحزمة الدفاعية.
اننا في 20 ماي نترحم على الشهداء الذين حملوا بنادقهم وقالوا للموت تعال، تركوا الدنيا بحلوها ومرها وراء ظهورهم، واقسموا على تحرير الوطن أو الشهادة، ونحن على آثارهم البيضاء سائرون، حتى استكمال تحرير الأرض المغتصبة ومهما كلف الثمن، وعلى المتآمرين من العالم ان يبيدوا الشعب الصحراوي حتى آخر طفل، كي يستطيعوا ان يهنأ لهم حال، وستظل 20 ماي خيار الكفاح المسلح حين يعجز اهل السلام، وكما حصل في الكركرات قد يصير آخر رئيس صحراوي يوما شهيدا في الرباط كما كان اول رئيس شهيدا عند نواكشوط..

سقوفٌ ورفوفٌ...


من يستطيع أن يملأ جعبة الموت التي تلتهم ليل نهار وتبلع، إنها تختار بعناية العناصر المفيدة. اليوم اختارت معلم، أحمد الشيعة، الذي يتركب أسمه الشائع من “أحمد” أعظم رجل أنجبت حواء، وذيع الصيت “الشيعة” التي تمتع بها الراحل وهو يملك صوتاً بلا صراخ وبلا حدة، صوت هادئ كرذاذ المطر “أردانة” ذلك الغيث الذي يتسلل إلى عمق الأرض ويفيد دون أن يحتاج إلى البروق والرعود كي يملأ الحياض والسواقي.
لم أعِبْ على أستاذي شيئا سوى أنه كان قاسياً على رفاقه الذين ظل سنداً لهم، ثم سقط فجأة ليتساقطوا واحداً واحداً منهارين، يتزحلقون في دموعهم وصرخاتهم وأناتهم تفيض بها الصفحات وتتدفق من اجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية في خيانة كبرى لأسلوب الراحل في التعبير عن الانفعالات بالبسمة الأقوى من
العويل وبلع الألم الأصعب من تقيئه.
كان سنداً لهم لأن السند يعني القوة، إنه تطبيق مباشر لنظرية القوة
الناعمة، تلك التي لا نلمس مظاهرها إلا في ردود الأفعال، لنظل نتعلم من أستاذنا حتى بعد رحيله دروس الحياة أيضاً.
ونتعلم كيف يمكن أن نحصد الغلال في الوقت الضروري وهو بعد الرحيل. تلك الكلمات العميقة والادعية الصادقة هي كموجات الراديو القصيرة المركزة التي تصل في مداها ما لا تصله الموجات الطويلة. دعوات الرحمات والغفران الحارة الساخنة، فالسخونة تصعد أولاً إلى السماء وإلى البارئ تعالى تصل مبللة بالدموع وبغصّات الحلق وحرقة الفؤاد.
إنَّ الدرس الذي نتعلم أيضاً أن ما تقدم من شيء إلا وتجن ثمرته، فليس في هذه الدنيا شيء ذي قيمة كمحبةٍ صادقة، تلك التي تنشب دائماً بفتح القلب فهو الباب أو البئر الذي تجد فيه المياه النقية الصافية وأن تكون لله وله وحده شفّافةً نقيةً ظاهراً وباطناً. وفي الحديث “ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه” يُظِلّهم الله يوم لا ظل إلا ظله.
لم يكن الراحل إلا صحراوياً بسيطاً هو ومن معه من المعلمين السابقين، لكنهم أخلصوا النّية وانجزوا الواجب وكوّنوا جيلاً يستطيعون أن يفخروا به تحولوا من تجهيل المستعمر الإسباني إلى دكاترة وأساتذة ومهندسين واعلاميين ودبلوماسيين واطارات في كل مناحي الحياة، أصواتهم تزلزل العالم، جيل يعيش المستقبل
ويتجه بالدولة الصحراوية إلى دولة علم إن شاء الله.
تعلمنا أن الهوية الصحراوية يجب أن تتجذر وأن نثق في قدرات شعبنا وأن المستحيلَ سرابٌ ووهمٌ وأن الإرادة حقيقة كالأرض التي نقف عليها والشمس التي تدفئ وتضيء والقمر الذي يحرك المحيطات.
ليس بيننا نحن تلامذة الراحل إلا أن نفعل لا أن نقول، فسنسير بالأمانة وهي تحديث الدولة الصحراوية بالعلم، وبالعلم وحده سنواصل العمل على تكوين مجموعاتٍ في مختلف التخصصات العلميةِ، كي نستمر في تنظيم طاقات شعبنا وتوجيهها ونعاهدكم ونعاهد الشهداء أن لا نملّ ولا نكلّ.
إنّ تحديث أساليب النضال هي عبارة عن آفاق ومستويات تتراءى كسقوف وهو ما نصبوا إليه ونسعى إلى رفعها ولا نفكر أبداً أن تبقى مجرد رفوف.
إن الخروج عن روح الدولة الصحراوية وهو التنظيم المحكم بما يتلاءم وروح العصر يحتاج إلى وقفاتٍ ومراجعةٍ مع الذّات ويجب أن يتجه الجيل الحديث إلى الدراسات العلمية المكتوبة، لا إلى الكلام وتضييع الوقت وإلى العمل ثم العمل كي تنتقل الدولة الصحراوية إلى المرحلة الجديدة.
إن الجيل المؤسس عمل ما عليه وأكثر وما زلنا ننهل من فكرهِ وتجاربه ولكن الجيل الجديد الذي تعلّم سينقل الشعب الصحراوي كما فعل الجيل السابق حيث قفز بشعبنا من الجهل إلى تثبيت الهوية وتحديثها.
فبالإرادة والعمل سننقلها نحن إلى دولةٍ تواكب العصر وسيرى مِنّا العدو ما لم يره من الأجيال السابقة إن شاء الله.
نَمْ أيها الأستاذ قرير العين والرحمة والغفران لكل الشهداء


الخميس، 15 مارس 2018

ضربة وتد هزت تاج الرباط...

في تلك السنوات المرة، تلك السنوات القاسية، تلك السنين، التي تقف والدتي ووالدتك في الطابور الطويل الممتد تنتظر دورها لمليء القارورة المغسولة من الزيت لتحتضن لترات الماء العشر المحسوبة التي ستقسم بين الشراب والطبخ وآخر قطراتها ستكون لغسل وجوه البنات الصغيرات وأنوفهن الممتلئة بآثار المخاط الذي يغطيها في الصباح بعد نوم فوق البطانيات على الحصير الذي كان الحائل الوحيد بيننا وبين رمل الأرض او قل في كثير من الأحيان طينها الاصفر والاحمر المغبر.
رائحة دهن الشمع المصنوعة من زيت المائدة التي تقدمه جمعيات الاغاثة الدولية التي تلمع وجوه زملائي وزميلاتي في القسم لم تغادر انفي الى اليوم، كلما مررت بغلاءة تبيع الخبز المحمص او البطاطا المغلية، كانت الوصفة الوحيدة في ايدي الامهات التي تقاوم بها لسعات البرد على الايدي الصغيرة والوجوه البريئة الجميلة وتقشراتها السوداء الرقيقة على رأس الانف والخدود ومفاصل الايدي والاصابع.
كان امتلاك تلك الاشياء الصغيرة جزء من استمرار المقاومة، لم يكن هناك تذمر ولا رفض بل كان الاصرار على الحياة هو التحدي امام المرأة الصحراوية لقد كان نجاة من الموت والذبح والابادة التي اريدت لشعبنا.
كانت ذكرى قنبلة "ام ادريكة" وغيرها لا يمكن ان تمحى آثارها ابدا، آلاف الخيم أو أشباه الخيم في العراء، تتعرض للقصف المباشر من الطيران المغربي الغازي، لا تحجبها الا ارادة الخالق جل جلاله.
عشرات الضحايا من النساء والاطفال والشيوخ، أسر بكاملها دفنت، كانت الحياة في المخيم الجديد في "الحمادة" هي صرخة انتصار لبعث الميلاد والاصرار على الوجود.
عندما دقت أول امرأة صحراوية وتدا في الحماده أهتز تاج الملك الحسن الثاني حتى مال فوق رأسه في الرباط ...!
وسقط حكم "ولد دداه" في أنواكشوط…
واليوم نحن من نصر الى نصر والامانة تسلم من جيل الى جيل والشعب الصحراوي الذي اريد له الموت اراد الله له الحياة، فالاسبان الذين باعونا بالأمس وتنكروا لنا لم تسلم من مدنهم مدينة واحدة الا ويرفرف عليها علم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الآن والمغرب الذي ناب عن عضة ناب الاسبان بعضة منه ، يواجه القلاقل الداخلية تسلخ في هيكله البنيوي المتخلف ويزداد عزلة عالميا من الامم المتحدة ومن القارة الافريقية والمحيط المجاور، وتحرمه الشرائع والمحاكم الدولية شيئا فشيئا حرية المناورة بالسرقة والنهب لثروات شعبنا.
بينما تنتقل الدولة الصحراوية الى المناطق المحررة بكل هياكلها في خطى ثابتة ومدروسة، لتثبت السيادة على كل حبة رمل مضمخة بدم الشهداء بعدما حسمت في كل نفس صحراوية حرة أبية، ويزداد شعبنا ثقة في النصر والحرية بلحمته الفريدة ووحدته الصلبة التي لا تلين.



الثلاثاء، 13 مارس 2018

المبعوث الالماني “كوهلر” السلام في الصحراء الغربية على حساب من؟‎.


في كثير من الاحيان وبدون جمع العديد من المعلومات او المعطيات يصعب القيام بتحليل او بالاحرى نقاش لقضية ما.

وهنا احاول رغم شح الاخبار او البيانات ورغم عجز الكثير من المحللين عن تحديد طريق او فهم لتوجه او لخطة الرئيس الالماني كوهلر التي اختار ان ينهي بها مسيرة حياته على الاقل في حدود علمنا.
كثير من تلك التحليلات المنصفة لم تخرج من نطاق تقييم تحركاته واخباره وجولاته نحو القارة الافريقية والاتحاد الاوروبي واخيرا مع البوليساريو ومع جاري الصحراء الغربية موريتانيا والجزائر في مقر الامم المتحدة الذي اختار ان يكون في برلين…
اما التحليلات من الاقلام المحسوبة على المخزن المغربي فقد اختارت ان تنشر الكثير من الكلام المتداخل الذي من كتبه اصلا يريد به فقط ان يضيع القارئ لحاجة في نفس يعقوب اهمها ان لا يفهم لب النزاع من طرف المواطن المغربي الحاضر المغيب…
وحتى نقف على شيئ ملموس ولا نبق في متاهة نحن ايضا، فقد تابعنا شروط كوهلر لقيامه بهذه المهمة السهلة جدا لولا المتراس الفرنسي وبعض السياسيين الاسبان المتمصلحين مع الرباط والتي كان اهمها:
-نقل مقر العمل الى مكان يختاره هو بنفسه : وفي ذلك دلالة على جدية الرجل في نسج خططه بعيدا عن العين المراقبة ان لم نقل المتجسسة او المتلصصة ، وتعني تلك الخطوة ايضا ان هناك من كان يفسد الامور في المهد ،وبالتالي تامين العمل ،وينظر الى ذلك ايضا من زاوية حرية اتخاذ القرار وحرية طرح الخطط وبنائها دون اشراك الغير.
وبالتالي رفض الضغوط والابتعاد عن تاثير القوى التي ظلت تريد كلها ان تضع اليد في العجين ليتشتت ويفسد القالب.
-طائرة خاصة : وهو حرية الحركة ،في كل الاتجاهات الاختيارية ،وتحديد توقيت الحركة , فحينما اعرف حركتك وبرنامجها اخمن اهدافك ، كما يساعد في سرعة اتخاذ القرار وجمع المعلومات والاتصال المباشر مع المعنيين دون اللجوء الى استخدام وسائل الاتصال
السمعية او البصرية والكتابية المعرضة للقرصنة وغير ذلك .
-فريق العمل :الاشراف المباشر من كوهلر نفسه في اختيار فريق عمله وهو ما يجعله صاحب القرار الاول والاخير اي النهائي كما انه يعكس حرصه على انجاح العمل ويعني تحمل المسؤولية المباشرة في فشل العملية، كما يتيح له فصل او ابدال اي شخص دون تحكم اي كان وهو ما يمده بعامل الفعالية يريد ان يكوّن اركسترا منسجمة يضبط عليها ايقاعه الخاص بدل ان يصير هو الدمية التي يراقصها شد الخيوط من هنا وهناك .
-الميزانية : طلب كوهلر ميزانية كافية خاصة بكل العملية وتغطي كل الاحتياجات.
يريد ان تسير الامور دون اي ضغوط مالية من اي كان.
خلاصة كل ذلك هو العمل دون أي ضغوط والتخلص من اي تدخلات وبالتالي الحرية التامة في التفكير وابداع الخطط ، ويبقى ذلك فقط هو الشغل الشاغل لا ان يجر الى معارك جانبية.
لم يتفوه كوهلر بكلمة مفيدة في زيارته الشعبية الى مخيمات اللاجئين الصحراويين حسب ما اذكر الا قوله انه “ليس ساحرا” او “ليس لديه عصى الساحر” .
ولكنه وعد الشعب الصحراوي بانه سياتيهم ب “السلام”.
السلام ؟؟؟ وعد ؟؟؟
كلمة السلام لن نسهب في تحليلها ولكن المهم انه اعطى وعدا ,يعني انه وصل الى نتيجة أو انه يخطط لخلاصة هي “السلام” او يريد قطف الثمرة النهائية وهى “السلام” ووعد!!!
لكن ليس المهم هذا “السلام” الذي يعنى “نقيض الحرب” الاهم الآن هو على حساب من ذلك “السلام”؟
الذي تحدد كنهه التكتيكات وتبينه آثار أقدام كوهلر وفريقه، وردود أفعال الخصوم والقوى العظمى
الجزء الثاني…
يلتمس من تحركات المغرب داخل الاتحاد الافريقي من خلال المحطات الاربعة المعروفة
التي استهلت بمحطة الانخراط في صفوف الاتحاد الافريقي الذي سالت فيه دموع الانكسار من عيون ملك المغرب وهو يدخل القارة الافريقية مربوطا بحزمة قاسية ملزمة من التعهدات الموقعة اهمها الالتزام بالحدود المروثة عن الاستعمار حيث انه اهم بند في الاتفاقية الذي يقر فيه الملك كأعلى سلطة والبرلمان المغربي طبقا للدستور المغربي تلقائيا ان الصحراء الغربية ليست من حدود المغرب واحترامها واجب وعليه الرحيل عن اراضي الدولة المستعمرة التي هي الجمهورية الصحراوية بل وسبتة ومليلة…
السلام الذي اقر “كوهلر” انه غاية فرض عليه ان يجمع الطرفين الى طاولة المفاوضات ويظهر ان “كوهلر” الذي اجتمع مع سلطات الاتحاد الافريقي مرتين وارسل وراءه المغرب الرئيس الفرنسي السابق يتحسس الاخبار دليل عدم اشراك فرنسا في اي تفكير ل”كوهلر” وفي اي تخطيط له وهو ما يظهر ان الاجندة الفرنسية بالذات غير مدخلة على الاقل في تحركات “كوهلر” وبالتالي يشمل الغموض الجانب المغربي بشكل تلقائي.
ويرى كثيرون ان الحرب العالمية الثانية اخرجت المانيا خاوية اليدين من اي نفوذ في العالم على عكس فرنسا التي لا تزال تستعمر الكثير من الدول الافريقية بشكل مباشر أو غير مباشر وتدخلاتها المتكررة لا تخفى على ابسط متتبع مبتدئ للسياسة العالمية ،كذا بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وروسيا ,حيث نفوذ هذه الدول لا يتوقف عند حدودها الجغرافية بل عند حدود قوتها الاقتصادية والعسكرية ومن غير الممكن ان تبقى المانيا الاقوى اوروبيا عند حدودها الجغرافية في حين حدود قوتها الاقتصادية والعلمية بذلك المنطق تستحق اكثر من ذلك بدليل انها من يقود اوروبا كلها اليوم.
ومن بديهيات الحال وفي عالم المصالح والتكتلات والتغيرات ان يكون من مصلحة المانيا كدولة انهاء مسار الاستعمار من الصحراء الغربية وكل الدول المهيمنة كي يسهل تشكيل تحالفات ومصالح جديدة والوصول بسهولة الى الاسواق والثروات الواعدة.
ويظهر من تكتيك الالماني انه يفرض حلا يتماشى مع الاتحاد الافريقي حيث يتعامل الاتحاد مع الدولتين كندين الجمهورية الصحراوية ومملكة المغرب وبالتالي هو لي لذراع الملك واجباره الى الهرولة لمفاوضات مع الصحراويين كحركة تحرير في اجندة الامم المتحدة بدل منطق صراع مع دولة في قارة افريقيا.
ان المتتبع الفطن يجد ان الفأرة المغربية ستسقط في الشراك ذي المخرج الوحيد الذي يبدو فيه كوهلر متنازلا للمغرب عن الحل الافريقي الى حل الامم المتحدة في حين انه مجرد تكتيك ذلك التكتيك الذي قد يتحول في اية لحظة الى واقع ان لم يتدارك المغرب الامر….يتبع

مجلة النجم

  مجلة النجم