يحررها حمدي حمودي

يحررها حمدي حمودي

الجمعة، 11 سبتمبر 2020

هشاشة...


تلك الندوب في تلك القلوب،
تلك الثقوب وتلك العيوب،
ودورة الدم التي كانت تجري
بعنف في جسم الوطن،
ظلت تلمع كل الوجوه،
وتغطي تلك الدمامة،
بظل الكرامة
مثل العمامة ومثل الغمامة،
ولما حكت كل الحجارة
بانت صخور مثل الألماس
ومثل الذهب،
ومثل الطين ومثل الطحين
ذابت أخرى فما من عجب.

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

لا أريد أ، أخط حرفا...

 

في الحقيقة لا أريد أن أرسم حرفا، ولا توأما له، فربما تآمرا فصارا كلمة، في رحمها قد يتشكل معنى، ينجب فكرة، تلك التي ارفضها اليوم "الأفكار".

نعم الأفكار! في عالم مليء بالأشرار، مليء بالشر والشرر، قلبه صخر وحجر، يبحث في أساليب الدمار وطرق الانحدار.

أي بذرة أفكار سنغرس إن كنا نعرف يقينا أي ماء سيسقيها وأي سماد سيغذيها؟

نحن الذين لا نستطيع أن نغير نمط غذاءنا الجديد، الذي قدم ب "أفكار" مبتكرة، ومواد مشبوهة ومركبات غامضة ومغشوشة وربما هي موجهة لتغييرنا .

عالم من الشك والريب والارتباك وعدم اليقين، تائه عن طريق واضح هو تسيير الكون بأمانة وصدق ويقين ثبتته الفطرة الأولى للأنبياء والمرسلين وللحكماء والصالحين.

ثلة تريد أن يبقى العالم في ذلك التيه والالتباس وتغيير المفاهيم والمعالم، حتى الأصنام التي كانت حجارة نحتوها للمجرمين الذين قُدّموا لنا ك "كريستوفر كولومبس" الذي دمر أمريكا بأنه الفاتح المغوار، وغيره ممن صنع كتمثال للحرية وهو من أَصَّل للعبودية.

تتهاوى اليوم المفاهيم النيرة، ففكرة الشرطي التي كانت تعني حماية المواطنين، والقبض على السارقين والمجرمين نجد تطبيقها في الواقع تعني شرطيا مجرما يخنق مواطنا مسكينا حتى يلفظ آخر الأنفاس، أمام عصابته من الشرطة وتوسلات الضحية والمواطنين دون رحمة ولا شفقة، بسبب  لون البشرة.

إننا لا نريد غير أن نرجع الى العالم الحقيقي الذي عاش فيه الإنسان بدمه ولحمه، لا الى عالم الروبوت الى التماثيل التي حطمها الرسول الكريم رسول الإسلام، الذي أصل للحرية بمفهومها النير وللإنسانية بمعناها الحقيقي، وساوى بين كل الألوان ونتف ريشة العنصرية واليوم يتلمس العالم الظّنون طريقه التي أَخْفَت معالمها "الأفكار" المبتكرة لإنسان جديد إنسان الرضّاعة الصناعية.

كيف اسمح بان اخط حرفا في عالم لا يفهم لغتي وليس على نيتي عالم غريب الأطوار.

 إنها لعبة خطيرة لا بد من الانتباه لها فنوبل حصل براءة اختراع "الديناميت" لتسهيل العمل في التعدين وتفجير الصخور وإذا به يتحول الى أكبر قاتل للإنسان بيد الأصنام بدل مبتكر حيل تفجير للصخور  وتيسير التعدين.

شراك وسقطة: المدرسة الغربية في الميزان

 استوقفتني عالمة العمارة العراقية الأصل الراحلة زها حديد التي برعت في علم العمارة في عصرنا الحالي خطفت الكثير من الجوائز العلمية العالمية رغم المنافسة الشديدة في مدن تعد من رائدات الإبداع العالمي اليوم في بلدان تقود حركة المستقبل العالمي كاليابان والصين وألمانيا وغيرها كثير، ليصل العد الى تنفيذ 950 مشروعا معماريا موزعا في 44 دولة، وهي التي مضت حوالي 20 عاما وهي ترسم وتصمم مبانٍ ومشاريع هندسية كانت في نظر رجال العمارة "الحديثة" لا تصلح إلا على الورق "مشاريع ورقية" وأمست موضع تندر واستهزاء وسخرية منهم.   
زوايا الرؤية تختلف، تضيق وتتسع وتكبر وتصغر بحسب موضع الرائي ومكان الناظر والمنظور إليه تحدها خطوط الرؤية فتصير زوايا حادة عندما تصغر ومنفرجة عندما تكبر.
لكن إذا نظرنا بعين الخيال فإن كل الخطوط التي تحد تتلاشى، فلا مكان يمكن تحديده، ولا هدف يمكن تثبيته، وفي تلك الحركة السابحة تتكون أبعادا جديدة ومحددات ناشئة قد تتراءى للبعض وتظل مبهمة وغائبة وغائمة وغير مفهومة لآخرين.
فلو كانت زها حديد أذعنت الى محدودي الرؤية لفقدنا ثروة هائلة من الإبداع المعماري والإنتاج الفكري العلمي الذي لا يقدر بثمن، فمع التقدم التكنولوجي بدأ أولئك "المعماريون" المحدودي الرؤية يتلمسون طريقهم في تعلم أبجديات تصميم ما قد صممته زها حديد منذ عشرين عاما.
وهنا أقف عند هذه الملكات من المعارف التي نكتسبها يوميا، دون أن نقدرها ونزنها ونثمنها في كل المجالات وحين نعرج مثلا الى موضوع أسلوب التربية ودون أن نحس بعطاء البيئة والمجتمع وتراكم سنوات طويلة من التجربة، وننتقل الى أساليب أخرى قد تكون محدودة الرؤية والبعد وحتى شحيحة وفقيرة المعرفة، فنقع في شراك وسقطة كثير من المثبطين ومحدودي الفهم ومن يرون الأمور من زاويتهم هم لا من زاويتنا نحن، كما أن منظورهم للمستقبل ربما يكون مغايرا لما نتطلع إليه وما نراه لعالمنا الحاضر والمستقبل.
إننا نقدم لهم زمام المبادرة وننساق إليه دون قناعة ووعي وفهم، أن المدرسة الصحراوية تبدأ بتعليم الطفل من البيئة فحين نقارن نجد المدرسة الغربية تجلب حصى وأحجار وحفنات من الرمل لتعرف الأطفال على مكونات الأرض، و في المقابل نجد الطفل الصحراوي يستيقظ وهو يرى أمامه مشهدا مهيبا من الحصى والحجارة المختلفة الأحجام والأوزان والأشكال وبيده الصغيرة يتلمس خواصها الفيزيائية من خشونة وملوسة وحدة ويتعرف عليها لسنوات وهو يلعب بها كجزء من اللعب وحتى في الرمال والكثبان الرملية يجد ملايين من الحصى الصغيرة التي لها نفس القطر  تغوص فيها رجله حتى الركب، إنها سنوات الذهن الصافي الحاد التي ينطبع فيه بشكل تلقائي ذلك الكم الهائل من المعارف الطبيعة التي لا يمكن قياسها.
إنه يمشي فوقها وحتى يلامسها ويتعرف عليها ويتكبب فوقها ليلا ونهارا عريانا وشبه عريان وحتى أحيانا يحثو بعضها في فمه لتتعرف عليها حاسة الذوق بعد أن تعرفت عليها حواس الشم واللمس وغيرها من حواس الضغط والحرارة والبرودة، أنها علوم تخزن في الذاكرة بشكل أوتوماتيكي وتسكن بتدرج في ذاكرة ذلك الإنسان دون معلم والطبيعة خير معلم.
إن تلك المعرفة تتطور وتتكرر وتنمو مع السنوات فالصحراوي المتنقل من مرعى الى مرعى بشكل دائم يجعله ينمي ويثري تلك المعارف ويتعلم فن المقارنة ويلون تلك الأشكال والأصناف ويضيف إليها الجديد بشكل مستمر فتجدد ملكته فكأن كل يوم درس جديد وهو ما يطور حركة الذهن ونشاطها وتختفي مظاهر الملل من حياته تماما.
إن هذا التعامل للطفل مع حجارة صماء وطبيعة خرساء ومواد جامدة تجعل مخيلته تحاورها وتمازحها وهو ما نراه على شكل ألعاب الحجارة فأحيانا تصير قطيع إبل أو غنم أو غيره.
لا شك أن ذلك الطفل الذي غاصت ركبتيه ويديه حابيا على الأربع لأول مرة في الرمل وفوقه وتعلم الوقوف ليحصل له التوازن وتشكلت عضلات جسمه سيكون قد غدا جزءا من ذلك المحيط ولن يكون غريبا أو عجيبا إن كان صبورا مثل الحجر على الحرارة والبرودة وعلى الرياح وعلى الشمس وسيتشكل جسما مناسبا وصديقا لذلك المحيط يعرف أسراره وخفاياه.
ولا يلبث أن يجد شجرة أو نبتة حتى يبدأ باكتشاف عالم الحياة المثير فلا يبقى جزء من الشجرة إلا وتعرف عليه بالتفصيل الدقيق، فملكة طرق الكشف قد تعلمها مع الجماد مسبقا، فقليل أن تجد نبتة أو شجرة في الصحراء الى ويعرف الصحراوي دورها وكيف يمكن الاستفادة منها.
أما إذا انتقل به الحال الى الحيوان فالجدي المربوط قرب الخيمة هو صديقه الذي سيبدأ رحلة التعرف عليه ويلاعبه ويداعبه وسيتعرف على شعره وأذنيه وسينبهر بعينه وستكون رحلة أخرى لا تقل غرابة كرحلة التعرف على الأرض وهكذا سيكبر مع الجدي الذي سيكون كبشا أو جديا كبيرا وستربطهما علاقة التعرف على بعضهما.
 وستكون أكبر وأعمق علاقة مع الحوار ولد الناقة ذلك انه سيطول معه العمر وتتشعب المنافع الكثيرة المتبادلة بينهما التي لا يمكن الحديث عنها في هذا المقال الموجز.
رحلة التعرف على المحيط الذي تقدمه الطبيعة بسخاء ستغرس في الإنسان حب العطاء وربما سيكون ذلك له علاقة ما بروح الكرم والجود المعروف بها.
إن الحواس المتيقظة لدى الإنسان الصحراوي سيكون كسبها من بيئته، سيكون لصوت الرياح أنواع ولدرجات الحرارة أصناف وللرؤية من بعيد قوة في التمييز سيكون لديه معرفة كبيرة بالتغيرات التي تطرأ، فالبدو يعرفون بسهولة أنواع الآثار وكم مضى عليها من الوقت وحتى يستطيع بعضهم معرفة نوع الدواب وملكية من هي ومن أي ارض قدمت وحتى أثر قدم الإنسان يمكن أن يعرفوا منها صفاته الجسدية كطوله ووزنه وحتى من دلائل وقرائن كثيرة تفصيلية يمكن أن يتعرفوا على حالته النفسية وحالة دابته وغير ذلك.
شيء من المعارف عند تركيبها تشكل حوصلة من المعارف لا يمكن تعليمها في المدارس ولا المعاهد في هذه المدة القصيرة، هذا إذا أضفنا ثقافة حفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والأشعار والحكم والأمثلة والقصص وقواعد اللغة وغيره كثير من المدرسة الصحراوية التي كانت تنتج في سنوات قليلة، ذاكرة تجاويفها قادرة على حفظ واستيعاب بسرعة كل ما يخص ذاكرة الحفظ الشفوي.
إن تعلم العلوم التي ذكرنا آنفا رغم ما تتكلف من تكاليف كثيرة كانت الأسر الصحراوية حريصة على تلقينها للنّشأ فتكرس كل جهودها في إيجاد معلم لها، ففي كل تجمع صحراوي تدرس تلك العلوم ويكون التقدير كبيرا للأطفال المتفوقين والنجباء ويحتفل بمحصل أو محصلة تلك العلوم.
لقد خلق ذلك المنهج المتكامل بين الطبيعة "المعلم الأول" والأسرة والمدرسة الى تكوين الإنسان الصحراوي القوي جسديا وعقليا وعلميا ويستطيع أن يستوعب بتلك القدرات أي معارف جديدة.
إن الفروسية والقوى العقلية وتلك الثقافة ومساحة الحرية، لا تتنافى مع التقدم التكنولوجي بل هي قاعدة انطلاق والقوس المشدود الذي يمكنه أن يرمي السهم مسافة بعيدة ومنصة قوية لاكتساب معارف الرياضيات وعلوم الحاسوب والفيزياء والكيمياء واللغات وهي المدارس التي يجب أن ننصب عليها، لأنها حوصلة تجارب الأجداد في التعامل مع النفس البشرية وتتقاطع مع المناهج الحديثة في تعليم الأطفال روح البحث واحترام البيئة والتعلم منها وليس الشهادات الفارغة والإنسان الأجوف من محتواه الفكري والثقافي.
إن لكل مجتمع خصوصياته ومميزاته وطرقه في التنشئة وقيمه ومراميه الآنية والمستقبلية، إن الذي يفسر العراقة بالتخلف واكتساب علوم البدو "مفاهيم علم البيئة" وفروسيتهم وثقافتهم الصحراوية بالبدائية، وحفظ القرآن الكريم في الصغر بالحشو، كالذي يقول إن تعلم اللغة الإنجليزية كفر وعلوم الحاسوب ولغات البرمجة ضلال وتغريب، ينظرون الى الأمور من زاويتهم هم الضيقة ويسطحون المجتمعات التي لا يمكن أن تفصل الحاضر عن الماضي كما لا يمكن إنبات شجرة بلا جذور.
إن درس زها حديد كامرأة عربية يجب أن يمكن ان يقرا من خلال خلاصاتها التي أقرت انه رغم إبداعها العلمي وموجة التحضر في العالم الغربي، إلا أن العالم العربي لم يُفْهَم بعد من الغرب وصرحت أنه لو أتيح لها الخيار لما اختارت الهندسة لما فيها من صعوبات ومنغصات وربما كانت ترمي الى تعقيد الحياة وتحويل الإنسان الى آلة بدون علاقة نفسية عميقة مع الآخرين ومع البيئة النفسية، فقد صرحت أنها لم تتزوج لأنها لم يكن لديها الوقت الكافي للفصل بين العمل والتزامات البيت وتكوين أسرة.
يجب أن نكن حذرين من المستجدات في هذا العالم الذي تقودنا إليه هذه الفلسفات الغربية وطروحاتها، فإذا كانت عاجزة ولا تستطيع أن تؤمن حياة شريفة ونسل كريم للإنسان يذكره ويرحم عليه بعد وفاته فمخرجاتها ومآلاتها فيها الكثير من النظر والتدبر والحذر. بل يجب أن نطور موروثنا الشعبي ونصونه لأننا لا نود أن نفقد هويتنا وانتماءنا الى ديننا وأصلنا وخلقنا الذي حافظ على مجتمع فيه من الحرية والكرامة والتقدير ما لا يوجد في المجتمعات الأخرى. ويؤدي الكل فيه دورا محوريا لا يمكن أن يسده الآخر بنفس الكفاءة والمرونة والسهولة. 

مجلة النجم

  مجلة النجم