يحررها حمدي حمودي

يحررها حمدي حمودي

الجمعة، 20 مارس 2020

حديث على هامش وباء كورونا...



أولوية العالم اليوم هو حصر وتضييق بؤر الإصابة بفيروس كورونا او COVID-19، المنجل الذي يحصد من الأرواح ما يحصد وأكثر ضحاياه من ذوي المناعة الضعيفة فلم تنفع في المجتمع الأوروبي العجوز العناية الفائقة والإجراءات الطبية الخاصة الى حد كتابة هذه السطور فإنه ينتشر كما تنتشر السحب في السماء لتحجب وجه الشمس والنور عن الكثير من الناس الذين يفارقون دون عودة.
وجه اسبانيا مرعوبا اصفرا، وسماؤها مغيمة حزينة، لا حديث الا عن أرقام الموتى ويا لك من ارقام بالرغم انه يشفي 1000 وتموت 500 ولكن لا حديث الى عن الراحلين.
سيارات نقل صناديق الموتى الطويلة السوداء المزخرفة هي الأكثر ربحا، ومحلات بيع زهور الفرح والحب، فاقتها ارباح زهور الموت وباقاته التي تباع ب50 يورو، موتى بلا وداع ولا مرافقة الا من الأطباء وطواقم الخدمات الطبية وكأنما أصابتهم اللعنة.
عندما أقيمت جنازة في بيتوريا عاصمة بلاد الباسك من الذين لا يؤمنون ولا يعترفون بكورونا أصيبوا جميعا 60 شخصا مباشرة بين الحجر والمستشفيات وصالات العناية الفائقة، والذين اصابوا بدورهم عائلاتهم واحباءهم وجيرانهم واصدقاءهم ومعارفهم.
كبار السن خاصة تلك الطبقة التي شقت وتعبت من اجل ان تكسب من الضمان الاجتماعي عمرا طويلا وأحيانا مطولا، بالترميم المستمر لأجسادهم، طالت أعمارهم، الى الدرجة التي سنت فيها قوانين تسمح بحقنة الرحمة حين يعجز العمر عن قتل شخص تخطى المئة وصار يعيش بالروح فقط بأنابيب الاكسجين وأمصال الدم وتنتشر حوله أجهزة قياس القلب ويتحول الى مقبرة تتنفس.
الآباء الكبار والجدات الذين ظلوا هم من يحتضن الأطفال حين يذهب الآباء الى أعمالهم أبعد عنهم في آخر العمر أطفالهم حبهم وبذرتهم بحكم ان الصغير قد يكون حاملا للفيروس دون ان تظهر عليه الاعراض في حين يكون هو القاتل الخفي لجده وجدته.
التدابير المتخذة من اسبانيا رغم احتمال نجاحها مؤقتا، الا ان الاجراءات التي كان سيقوم بها رئيس الحكومة البريطاني والتي اعتمد فيها على فريق تفكير خاص بالأزمة مكون من خبراء في مختلف المجالات.
والتي وقفت في وجهها الطبقة المسنة التي ستتأثر هي الأولى ولم تكن لديها الشجاعة الكافية من أجل الأجيال القادمة.
نصيحة الخبراء البريطانيين كانت تعتمد على ترك الفيروس ينتشر وتلقائيا ستتكون مناعة لدى الكثير من الناس، وسيلقى البعض حتفه ان لم تنفعه الادوية المتوفرة.
لقد اعتمد الخبراء في تقريرهم الذي قدموه للوزير البريطاني ان خلو المجال من الفيروس مؤقتا بدون ان تتكون مناعة لدى الناس، لا يمنع رجوع الفيروس مرة أخرى أكثر حيلة وأكثر فتكا وأوسع انتشارا وقد قرؤوا ذلك في تاريخ الفيروسات والاوبئة التي ضربت الانسان عبر التاريخ.
كان تساؤلهم هل سيظل بلدنا تحت رحمة حياة الطوارئ القصوى ورزم جديدة من المكوث في البيوت وتوقيف عجلة الحياة؟
ولكن تحت رحمة الهجوم الشرس من الطبقة البريطانية المسنة التي تمتلك المؤسسات والمصارف والارصدة الضخمة في البنوك وبالتالي الاعلام، ربما تراجع عن تلك الإجراءات التي قدمها الحكماء ورضخ، وبرر الى انتظار توصل العلماء بمخابرهم المتقدمة الى دواء وتطعيم ضد المرض الفتاك.
أما المهاجر المسلم فالإجراءات والتدابير هي جزء كبير من الدلائل على قدرة الله فغسل اليدين عدة مرات في اليوم والعناية بالنظافة الشخصية وعدم السلام باليد والوجه وحتى اللثام وتغطية الجسد والرأس وغيرها تتطابق مع اختلاف العادات مع وحيه وروحه، وتسليم الامر لله جعل الانسان المسلم المؤمن هو اكثر اطمئنانا لان الحياة بالنسبة له هي القادمة وليست للإجراءات علاقة بقضاء الله وقدره ولن تمنع ابدا قدرة الله بل حفاظ على الجسد الذي هو امانة لدينا ليس الا الى تسلم الروح الى ربها الكريم الرحيم في يومها ومكانها وبسببها.
ذكر الموت ليس امرا يخيف المسلم
وقال تعالى في كتابه الكريم : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ آل عمران:185
بل اوصى به الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: أكثروا ذكر هادم اللَّذات: الموت.
رواه الترمذي، والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان.
وكان النبي ﷺ يقول: اللهم بعلمك الغيب، وقُدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي.
خرَّجه النَّسائي رحمه الله بإسنادٍ صحيحٍ عن عمَّار بن ياسرٍ
بقلم حمدي حمودي

كورونا "يعيد العافية الى النسيج الاسري "

المقال كتب يوم 12 مارس 2020
اضغط على التاريخ اسفل مباشرة لقراءة المقال
أُعلن اليوم عن توقف الدراسة في منطقة "كيبوثكوا" التي عاصمتها سان سباستيان...
لمدة اسبوعين والسبب يرجع الى الاجراءات المتخذة من اجل الابطاء من توسع انتشار الفيروس، لحين التوصل الى دواء أو رحيل الفيروس بأمر الله...
سبّب بقاء الاطفال في البيت الى تغير مفاجئ وارتباك حاد في حياة الناس في هذا البلد الاوروبي الذي ألف واعتاد على ان المنزل للنوم فقط وبعض الاوقات المستقطعة من زيارات خفيفة، ذلك أن المقهي والبار والمطعم والساحات العامة هي الاكثر استخداما لقضاء الاوقات خارج وقت العمل.
اما العائلات الصحراوية المغتربة فصالون البيت هو اكثر مكان يقضى فيه ساعات اليوم، ولن يتغير شيء في عجلة وروتين الحياة.
ستخسر الكثير من الحانات والبارات والمطاعم زبائنها وسيرجع الناس في اغلبهم الى عادة اعداد الطعام في البيت، وهو ما نجم عنه الاقبال الشديد على شراء المواد الغذائية ولوحظ نقص كبير في بعضها وعلى رأسها الحليب والسكر والارز والعجائن وأدوات النظافة، غير ان المتاجر تطمئن الزبائن على ان غدا سيكون السوق مملوءا...
ما الحكمة التي يمكن أن نستخلصها اليوم؟؟؟
وأين سيتجه الانسان في حالة غلق الاماكن العامة، طبعا الرجوع الى البيت والسكن وفي حالات الاصابة تبرز أهمية الاسرة التي أسست الحضارة الغربية على تحطيم بنيتها وتقزيم أهميتها.
بيوت العجزة اغلقت في كثير من الأماكن، والاستحواذ على الناس وتفريقهم من خلال وسائل الاعلام الحديثة التي حصلت في القرن الماضي وامتدت الى قرننا هذا عن تخطيط أو بشكل تلقائي هناك الكثير من الجدل في ذلك لكن بدايات الامر كانت من الدعايات لموضة تجميع الناس في المسارح والسينما وحشوهم بالمادة الاعلامية الى تصغير تجميعهم حول التلفاز الصغير ثم لاحقا البورتاتيل أو الهاتف المحمول لينفرد بالشخص تماما بعيدا عن الاحتكاك باسرته ومجتمعه بشكل مباشر...
كلها خطط أرادت للانسان أن يعيش في عزلة ليسهل توجيهه ويتحكم فيه بتلك المادة الاعلامية، وتسوق له ما تريد.
فيروس كورونا أعاد الاطفال الى البيت والاب والام والجدة والجد مجبرين، الى دفء وأبرزت أهمية وضرورة الاسرة.
ومن ليس له أسرة يموت في بيته وحيدا. وهو ما يفشل تلك الفلسفة الغربية ويبين عيوبها والثغرات الكبيرة والفجاج والثقوب فيها وهشاشتها حينما توضح على مذبح واختبار الموت والحياة ولو الى حين.

الخميس، 19 مارس 2020

الى زملائي في القسم..."2"


الرياح التي لا تهدأ الا قليلا في تلك السنوات، تنقل الكثبان الى خارج الباحة الرباعية لساحة المدرسة، السور الابيض القصير يحيط بالعلم الذي يتموقع في منتصفه تماما محددا ساحة اخرى هي ساحة العلم، حيث يتجمع كل صباح كل من بالمدرسة على شكل كراديس جيدة التنظيم لتقديم تحية العلم.
ومن فتحات الساحة يتجه كل صف بخطوات موزونة الى قسمه لتلقي الدراسة، أو حصص التدريب العسكري أو الرياضة،،،

ستكون المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء الاسهل لدينا حينما توجهنا لاحقا لمواصلة الدراسة الثانوية في دول أخرى
المستوى عال جدا والاساتذة ممتازون وجادون، أما النحو والقراءة والاملاء فغرفنا من مدرسة 9 يونيو وملانا القرب.
كانت الاضافة التي لن نتعرف عليها الا لاحقا هي دروس السيرة النبوية التي كان استاذها الوحيد يدرس عن ظهر قلب مجلدات "السيرة النبوية لابن هشام" يحفظها حرفا حرفا وكلمة كلمة... من آدم الى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الادوات والكتب توزع مجانا المنهج صحراوي كله، التاريخ والجغرافيا لا تسأل عن الخرائط والدول والسكان والمباريات المستمرة في اسماء العواصم والدول المجهرية.
في الليل يبقى قليل من الوقت المستقطع، في محاورات الشعر والابيات التي حفظها الجميع بعد المراجعة الليلية التي كنا نكرهها أيما كره.
في عمر الشباب عمر البراكين المتفجرة التي لم تشكل جزرها ولا نهاية لاشكال يابستها، في ذلك الجو المشحون بالمعنويات العالية، والانفعالات والصداقات ورسم خط السير الموجه لها، حين يبدا الانسان يشكل رزمة الرفاق في لعبة التجربة بالخطا والصواب، التي سيلعب القدر لعبته الكبرى في نهاياتها.
ربط حبال العلاقات الاولى بين الرفاق ليست بالشيء السهل، انها حقل الغام له ادواته ومعداته، الميول والمصالح والاشياء الصغيرة الاعمار المتقاربة والعادات والقدرات والمهارات اليدوية واللفظية وحتى الميولات الذاتية، والاهتمامات وتدرج الاولويات, وعوامل اخرى دقيقة، كالذكاء الدراسي والاجتماعي، وامور كثيرة صغيرة ودقيقة ومعقدة الوصف والتتبع، لكنها في وجدان الانسان وروحه لها دور كبير في تكوين شخصيته وبناء نفسه، خاصة في غياب الاب والام واحيانا الاخوة، حيث تتشكل صور من العلاقات يكون للانسان الكثير من الحرية ومساحة من المسؤولية الذاتية ، ربما تكون إيجابية وربما تكون سلبية، انها اشياء لا نفكر بها بهذا الشكل آنذاك، لكننا نمارسها بشكل تلقائي كرفاق وزملاء ليس لنا الخيار الا ان نبقى مع بعضنا ونتعايش.
مثل الرياح تماما تتشكل تلك العلاقات المتقلبة ومثل جو الحمادة تسخن الى اعلى درجات وتبرد ولكنها علاقات متغيرة في كل مرة كالكثبان الرملية بنسيج واحد وبأشكال مختلفة يفهما الرفاق وتحركها قدرة الخالق جل وعلا.

الى زملائي في القسم...1


سيتغذى هذا النص، بملعقة من حديد وقدح من نفس الخامة مليء حتى الطفح، بمرق العدس أواللوبيا وقطع الخبز الكبيرة في المطاعم المدرسية الشبه العسكرية، ثمانينات القرن السابق، وسيجلس على المناضد والمقاعد المشتركة الطويلة.
سيتغذى على وقفة معلم التاريخ بلباسه العسكري، وغطاء رأسه المطوي بعناية على الكتف الايسر، قطعة القماش المثبتة بزر، المكان المخصص لوضع النياشين والرتب. تلك التي ظلت فارغة، كجيوب القميص وجيوب السراويل، الا من قلم يحل ضيفا ثم يرحل.
تلك الملابس التي كانت تخاط في ورشة الخياطة، ونحن صغار خصيبي الخيال كثيري التساؤل كنا نتساءل عن جدوى خياطتها المعقدة.
معا في القسم كنا نقف احتراما لمعلمنا بنفس الثوب اللون يختلف ولكن بنفس التساؤلات.
كنا والى اليوم نقدر ذلك المعلم و اذا دخل الآن سنقف له أكثر احتراما واعمق تقديرا، وفي تلك السنين التي كان الآباء فيها شهداء أو معتقلين أو مقاتلين.
وشرف اتباع خطواتهم نحو تحرير الوطن، القدم على اثر القدم، هو ما يؤمن الطريق وتتضح وتبيّض وتصير سالكة.
أحلامنا ككل الأحلام ظلت أكبر من الاجساد ومن العقول، كنا نحن المستقبل الواعد، وكانت للأساتذة الفرصة أن يزرعوا أنفسهم من خلالنا من جديد ويتعهدون غرساتهم بالسقاية والرواء الطيب.
حلمهم أكبر من احلامنا، وأكثر شجاعة كانوا، لأنهم يرون المطبات والعوائق ويستمرون دون توقف.
المدارس التي بدأت بحفر وخيم هنا وهناك وسبورات متنقلة وطباشير والواح لمحو الامية.
تحولت الى مدرسة مثالية، وصفتها احدى الصحفيات السويديات آنذاك قائلة "لقد زرت أكبر ساحة مدرسة في العالم".
نحن كتبنا على قوس الدخول "مدرسة 12 أكتوبر التدريب واجب وطني"
يتبع...

مجلة النجم

  مجلة النجم