يحررها حمدي حمودي

يحررها حمدي حمودي

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

قليل من كثير يقال عن الكرم ....

.هنا
نشر هنا
               الكرم تلك الصفة الصحراوية , الانسانية العظيمة التي تجعل الانسان في كثير من الاحيان , يقدم تقريبا كل ما يملك بكل حب و طواعية , بل و يتباهى بفقدان تلك الاملاك التي عمل و اهدر كثيرا من الجهد و الوقت و الروح احيانا من اجل امتلاكها...و التي في نظر غيره نوع من الغباء و قلة العقل و ضعف القدرة على استشراق المستقبل...لعجزهم عن فهم و تفسير الظاهرة و الانسان كما يقال "عدو ما يجهل" ...
ويبقى المتمعن المنصف حائرا امام الظاهرة , التي عجز الآخرون عن فهم مكنوناتها و مطالبون نحن بان نسبر اغوار الظاهرة , القديمة , الجديدة في الثوب الذي تستحقه ؟؟؟

                  يعتبر الكرم من الصفاة الحميدة , التي يفتخر بها الانسان الصحراوي و البدوي بصفة عامة , و تتطاول الاعناق الصحراوية الى التعالى للتباهي بها , في حين كلما نقترب من المدن و الحضر بصفة عامة تتقلص اهمية الظاهرة.
الانسان البدوي و الصحراوي بصفة خاصة يعيش في تجمعات صغيرة مقارنة بالمساحات الشاسعة و في امكنة من الناحية المناخية صعبة و قاسية .

              و تختلف الاسباب و التحليلات لاسباب اختياره لتلك الاماكن و السكن فيها , رغم اتساع الارض و قلة البشر في الكرة الارضية انذاك و هنا يمكن اسقاط ذلك على شعوب اخرى كالاسكيمو و الشعوب الغابية و الجبلية القاسية و بصفة عامة المناخات القاسية ...؟؟؟

                اسئلة تحتاج الى دراسات مستقلة و تحاليل عميقة و اجابات دقيقة لا تتسع المقالة المقتضبة لاحتوائها....


            لقد استطاع الانسان في الصحراء الغربية على مر الاجيال ان يتغلب على اكراهات الحياة و المناخ من الحرارة الشديدة نهارا و البرودة شتاء, و قلة الكلأ و نقل تلك التراكمات المعرفية و التجارب الميدانية جيلا بعد جيل و عبر صور كثيرة متمثلة في العادات و التقاليد و في التراث المعرفي في الشعر و القصة و الرواية و المثل و الالعاب ...الخ
لا نريد ان نقدم او نطرح اشكالية الذكاء الصحراوي على المحك لانه جزء من ذكاء الانسان , لا يخفى اختيار الجمل و استئناسه و لا الخيمة و لا الملبس و لا التجمعات و...الخ في عبقرية و عظمة ذلك الذكاء...
واستطاع الصحراوي ان يطوع المناخ لصالحه و يعيش الهناء و السعادة و الاستقرار و لم يقبل بديلا لتلك البقاع التي اصبحت بذكائه ملكا له و متحكما فيها بل و يهزأ و يعيب المجتمع الزراعي و غيره...في حين تعتبر للاخرين صحاري جرداء و مناطق لا تصلح للحياة... فمثلا استطاع الصحراوي ان يستانس حيوانا يرعى نفسه! و يتنقل عبر الصحاري الواسعة! و ابن البيئة و منه الماكل! و المشرب !و السكن !و النقل! و اشياء اخرى! كثيرة لا يسمح الحال ببسطها , حيوانا واحدا كمتغير وحيد , و قمة الذكاء ترى في تسهيل و تبسيط و تقليل المتغيرات كما يقول اهل المعادلات و الحسابات ....
و لكي يظل يتبع حركة حيواناته التي يعيش عليها من بعيد , كان مضطرا ان ياخذ المعلومات عنها من المارة بجنب اماكن تمركزه... و المارة هؤلاء هم الجزء المهم من الحكاية ...حيث سيكون هو "الضيف" التي تقدم له الضيافة التي هي الكرم موضوع المناقشة..!
و لاخذ المعلومات الدقيقة كان منطقيا تقديم لصاحب المعلومات الثمينة الثمن المستحق الذي هو حسن الضيافة المتمثلة في "الكرم" دون الخوض في تحديد ماهيته, المعلومات عن الابل و عن الارض و اماكن الرعي و تساقط الامطار و حتى اخبار العدوان و الغزو و الامن و الاسعار... و كل امور الحياة التي كان ينقلها راكب لآخر بصدق مسافات شاسعة كفت عن عناء السفر و المجهودات المضنية و الشاقة التي كان سيتكبدها الصحراوي لو لم يجد القادم الثمين...! وهكذا تبدأ الحكاية و لتتجذر القصة التي تتحول فيما بعد و عبر تراكمات زمنية طويلة الى الكرم الصحراوي الذي تحكي عنه كتب التاريخ و الادب و ليعلي الله المكرمة و الصفة الحميدة الى المعاني العظيمة من العطاء الانساني...
و يجبرنا في الاخير الحال , الى اظهار عكس الكرم و هو البخل لاكمال الصورة و الذي ظل يعتبر عيبا و نقصا و جرحا للرجل الصحراوي ... و هذا قليل من كثير يقال في الكرم الذي هو من مميزات الهوية الصحراوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلة النجم

  مجلة النجم